نشرة شهر مارس - كتاب غرفة تخص المرء وحده لفرجينيا وولف.



 متى.. متى ستكون المرأة "إنسانًا" فقط؟

كلام كثير عن النساء، كلام قليل من النساء.

منذ عصر الملاحم حتى عصرنا هذا، كانت المرأة غائبة رغم حضورها. فهل عرف أحدكم رأي هيلين بمينيلاوس أو بباريس؟ هل سمع أحدكم رأيها بالحرب؟ بزواجها؟ بهروبها؟ بجبن باريس؟ بغباوة مينيلاوس؟

بالرغم من كونها السبب الأساسي للحرب وسفك الدماء وسنين طويلة من المشاهد الدموية، لم تهتم الملحمة بها كثيرًا، وتغنت عوضًا عن ذلك بأبطال رجال، وبأولئك، الذين كانوا نصف إله، نصف رجل. 

ولكن، دعونا لا نبتعد كثيرًا، لا في المكان ولا في الزمان ونسأل سؤالاً منطقيًا؛ هل سمع أحدكم رأي ليلى بقيس؟ أو هل تم تجاهله كليًا -إن وجد- كما حدث مع ولادة بنت المستكفي ورأيها بابن زيدون؟

من الفلاسفة، للشعراء، للأدباء، وحتى المنظرين دينيًا، لم تسلم المرأة. ودعيني أقولها الآن، قليل أولئك الذين فهموا وأدركوا حقيقتها.

بدأ التاريخ بتطرف ما زال يعيشه. صحيح أن شكل هذا التطرف اختلف، فبعد أن كانت "عشتار" المعبودة، الإلهة، أصبحت عشتار "الله يكرمك".

متى ستكون المرأة إنسانًا فقط؟ لا معبودةً مبجلة، ولا كيانًا مستحقر؟

الدخول في النواحي التاريخية يحتاج كتابًا كاملاً لا نشرة! دعونا لا نتطرق أكثر لهذه الأمور. ونلتفت الآن لنقطة مهمة في كتابنا، لنتحدث عن جوديث مثلاً، أخت شكسبير الخيالية، والتي مثلت بها فرجينيا إمكانيات المرأة الضائعة. أين النساء من الأدب؟ التأريخ؟ الفلسفة؟ لما "شكسبير" لا "جوديث"؟

في حين مُنح شكسبير كامل الحرية للخوض في الحياة، والتجربة، والمغامرة، والكتابة، والابداع، دون "غضب" دون "مشاعر سلبية" تبقية حبيس العادية. كانت "جوديث" والتي تمتلك الموهبة نفسها، الطموح ذاتها، الشغف ذاته، حبيسة المنزل. تبدع فرجينيا وولف بتخيل حياة جوديث، فتبدو لي حياتها مشابهة لحياة نساء كثر أعرفهن، وأخريات مجهولات، غريبات، لا أعرفهن، ولكن في الآن نفسه -لا أنكر، مهما بدت خيالاتها غريبة- وجودهن.

جوديث تمثل الإمكانيات الضائعة لنساء كتبت أقدارهن قبل الميلاد. تمثل مجتمعات كُثر، ونساء كُثر.

لعل نشرة هذه الشهر وقعت في شراك الغضب -قاتل الإبداع- كما قالت فرجينيا.

كتبَ الرجال إبداعًا خالصًا بهدوءٍ تام. لم يكترث أي منهم بتغيير المجتمع كثيرًا، فقد كان دائمًا -مفصلاً على مقاسهم-

وإن انتقدوا، نسوا انتقادهم إن استيقظوا يومًا ليجدوا منفعةً فيما انتقدوه لهم، أو إن تبدل حالهم. وفقًا لفرجينيا أن الكثير من الكاتبات غالبًا ما يقعن ضحية -الغضب-

الغضب من المجتمع. من وضع النساء، التاريخي والحالي. فتصب الكاتبة غضبها في شخصية لا تشبهها في شيء، لم تشاركها الطموحات يومًا، فنرى تحولاً مفاجئاً في الشخصية. فتلك التي كانت تتمشى في السهول متأملةً منظر الغيوم، أخذت تنتقد المجتمع وتحلل التاريخ -ومن ينقده هنا كاتبةٌ غاضبة تذكرت غباء هذا المجتمع-

فتخسر الشاعرية، وجمالية نصها مقابل متنفسٍ بسيط، ومشاعر غضبٍ كثيرة. تضيع هنا إمكانيات الشاعرة المتمكنة من القوافي والإبداع بحضور الغضب. وتزدهر قصائد الرجل -حتى وإن كان ذو إمكانيات اقل منها- بحضور الهدوء، وصفاء الذهن.

إن إبداع النفس لا بد أن يولد من ذهنٍ هادئ، من شدة هدوءه ينسى هذا الذهن إن كان بجسدِ رجلٍ أو امرأة. وهذا ما حرمت منه النساء طويلاً. إن الكتابة والأدب رفاهية كبرى، ولم يمتلكن النساء لوقتٍ طويل غرفةً تخصهن، أو مالًا يحميهن، أو حتى ذهنًا صافيًا هادئًا ليبدعن -عليّ القول أنني وبرغم ما قيل، أجدُ جمالاً لا يعلي عليه، حتى في كتابات النساء الغاضبة-

أختم نشرتنا لشهر مارس بكلمات ختمت بها وولف كتابها "غرفة تخص المرء وحده" من ترجمتي، تقول بها:

تسكنني وتسكنك، تسكن العديد من النساء اللاتي لم تؤاتيهن الفرصة ليكن بيننا اليوم، مشغولاتٌ بغسيل الاواني، وتنويم أطفالهن. لكنها تسكننا، فالشاعرات العظيمات لا يمتن أبدًا، حضورهن أبدي، وبقائهن سرمدي، يترقبن فرصةً للظهور، ليولدن وليمشين مجددًا بيننا، بجسد كجسدي، وجسدٍ كجسدك. حيٌ يرزق، تضخ فيه الدماء. هذه الفرصة بين يديك، وجوديث تنتظرها.

مها الفهيدي-


آراء أعضاء نادي ميراكي بكتاب غرفة تخص المرء وحده:

كتاب ممتع. من العنوان راودتني فكرة انه قد يتحدث عن استقلالية الفرد وكيف يشعر حين يكون له مكانه الخاص أو عزلته أو ما إلى ذلك.. لكن اكتشفت انها تتحدث عن المرأة وكيف انها حُرمت من ابسط الاشياء البديهية. الكاتبة مهتمة بتشجيع المرأة وتنبيهها أن لديها قوة ابداعية داخليه لم تكتشفها بعد بسبب المجتمع والحياة الروتينية وفرضيات ذاك الزمان. حين تحدثت عن المرأة وكيف هي نظرة المجتمع الدونية لها ونعتها بالضعيفة والتافهة واحتكار بعض الرفاهيات وربما كلها للرجال فقط دون النساء وقوقعة النساء حول عدة مهام تقوم بها حتى الموت، فنشأ إثر ذلك حضارة كامله تتحدث عن المرأة ولكن المرأة ذاتها لم تنطق ولم تكتب كلمة واحد ولم يسمح لها بالتعبير عن المرأة بشكل عام أو حتى عن ذاتها بشكل خاص. اظهرت الكاتبة هنا أهمية المرأة، لا تهمشي ذاتك ولا تموتي وأنتِ ما زلتي على قيد الحياة..

كما انها نوهت أن ما تكتبه المرأة نصًا كان أو رواية أو حتى شعراً يكن به روح لأنه جمع بين العقل والمشاعر بخلاف ما يكتبه بعض الكتاب الرجال فهو عقلاني بحت وجاف ولا يمكنه الوصول لحالة الكتابة الروحية مادام يستخدم فص واحد فقط من الدماغ العقل والمنطق دون المشاعر، لذا ما تكتبه المرأة حين تعطى مساحتها الخاصة وكامل الحرية والامكانيات المادية فهي تغلب ألفاً من ألوف المؤلفات للرجال... لذا اختتمت كتابها قائلة: إذا أرادت المرأة أن تكتب الأدب فيجب أن تكون لها غرفة تخصها وحدها وبعض المال.

دلال العمير-


تعليقات